سنحاول في درسنا اليوم فهم طريقة تطور القدرات العديدة التي نملكها نحن البشر
منذ سن الرضاعة.
عندما يولد الطفل تكون قدراته الإدراكية، الحركية والمعرفية محدودة للغاية.
إذ تكون رؤيته مشوشة ولا يستطيع الحركة، ولا الكلام ولا يفهم ما يقال له.
والمثير للدهشة أننا سنكتشف أنه وعلى الرغم من ذلك فإن للأطفال تصورًا غنيًا جدًا عن العالم الخارجي.
ومن أكثر الأسئلة إثارة للاهتمام : كيف يمكننا أن نتعرف على كيفية تصور الرضّع للعالم؟
سأعرض عليكم خلال هذا الدرس عددًا من الطرق التي يتسنى لنا بواسطتها التعرف على معلومات مفصلة
عما يحدث في عقول الأطفال الرضع وعن الكيفية التي يغير بها تفاعلهم مع العالم هذه التصورات على مدى سنوات نموهم.
كيف ينمو العقل إذن؟
هل ينمو بمراحل محددة أم بشكل متواصل؟
ما الذي يحدث في كل واحدة من هذه المراحل؟
ما هو الدور الذي يلعبه المحيط في هذه العملية؟
هناك العديد من النظريات النفسية حول النمو تحاول تقديم إجابات عن هذه الأسئلة.
على سبيل المثال، حسب نظرية التحليل النفسي لسيغموند فرويد فإن عملية النمو تتكون
من خمس مراحل.
المرحلة الفمية: منذ الولادة وحتى عمر سنة.
المرحلة الشرجية: بين السنة الأولى والسنة الثالثة.
المرحلة القضيبية التي يتم فيها حسب ادعاء فرويد حل عقدة أوديب ويكون هذا بين السنة الثالثة والسنة السادسة.
وبعدها المرحلة الكامنة وتمتد من السنة السابعة وحتى سن البلوغ، وأخيرًا المرحلة
التناسلية في سن البلوغ.
تركز نظرية فرويد على سمات نفسية جنسية في عملية النمو وتقول بأن أعوام الحياة
الأولى لها تأثير كبير على تطور شخصية الإنسان البالغ.
أما عالم النفس إريك إريكسون فيركز
في نظريته المرحلية على سمات نفسية اجتماعية.
وقد زعم إريكسون وجود ثماني مراحل نمو تستمر مدى الحياة حتى الشيخوخة، ويتعامل
الإنسان خلالها مع قضايا تتعلق بالثقة، وبالاستقلال وبالهوية وغيرها.
بينما ركز عالم نفس ثالث اسمه جان بياجيه على التطور المعرفي لدى الأطفال.
وقد قام بوصف الطريقة التي يتصور بها الأطفال العالم في الأعمار المختلفة بدءًا من التصورات الملموسة
في سنوات العمر الأولى وصولاً إلى تصورات أكثر تجريدية في السنوات اللاحقة.
كيف لنا أن نحدد أي منهم على صواب؟
وكيف يتطور العقل؟
كعادتنا سوف نركز على النظريات التنموية التي تم اختبارها بشكل علمي
بواسطة دراسات تجريبية وموضوعية وسنحاول التعرف على الطريقة التي يحاول
العلم من خلالها الإجابة عن الأسئلة الرئيسية المتعلقة بنمو العقل.
في معظم جوانب الوظائف البشرية يتم تقسيم عملية النمو إلى مراحل متعاقبة.
إن درسنا النمو الحركي فسنجد أنه يبدأ بالمرحلة التي يستلقي فيها الطفل ثم يقوم بالانقلاب،
ثم الجلوس، ومن ثم يتمكن من الوقوف بإسناد في بادئ الأمر ودون إسناد فيما بعد.
تختلف المرحله العمرية التي تحدث خلالها هذه التطورات من طفل لطفل،
سواءً كان ذلك نتيجة عوامل وراثية أو مؤثرات بيئية من شأنها تسريع النمو أو تأخيره.
وفي جميع الحالات، إلا في حالات نادرة يتم فيها عزل الطفل عن محيطه
أو نيتجة مرض ما، فإن كل هذه المراحل تحدث، وفي نهاية المطاف يجتاز الطفل جميع هذه المراحل.
أيعني هذا أن المحيط ليس له تأثير كبير على عملية النمو؟
على مدى سنوات طويلة ساد الاعتقاد بأنه دون التعرض للمحيط فإن عملية النمو
ستتأثر سلبًا وأن قدرة الطفل على القيام بوظائفه لن تصل إلى مستواها الطبيعي.
وقد سميت المرحلة التي ينبغي فيها التعرض للمحيط من أجل حدوث عملية نمو
متكاملة بالفترة الحرجة.
إن لم يتعرض الطفل خلال هذه المرحلة للمحيط فإن قدرته الوظيفية ستتضرر بشكل لا يمكن إصلاحه.
على سبيل المثال، إن لم يتعرض الطفل في السنة الأولى لمعلومات بصرية،
فإن وظائفه البصرية ستتضرر بشكل لا يمكن إصلاحه.
من الصعب جدًا دراسة هذه القضية لأن الأمر يتطلب أن نقوم بعزل الطفل عزلاً تامًا عن
المحيط وهو الأمر الذي لا يمكن القيام به من الناحية الأخلاقية في إطار تجربة علمية على الإنسان.
ولذلك فقد تمت دراسة هذه القضية في حالات أدت فيها ظروف الحياة إلى وجود نقص منذ الولادة،
كما هو الأمر لدى الأطفال الصم أو المكفوفين.